منتدى شباب و صبايا العرب

سارع بالتسجيل الآن قبل الإغلاق

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى شباب و صبايا العرب

سارع بالتسجيل الآن قبل الإغلاق

منتدى شباب و صبايا العرب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

خلي عينك عالخبر ...........

New Page 1

للتبادل الإعلاني

info@ar-youth.co.cc


    هل الكسوف والخسوف غضبٌ أو تخويفٌ أو ظاهرةٌ طبيعية ؟

    Admin
    Admin
    المدير العام و مؤسس المنتدى
    المدير العام و مؤسس المنتدى


    عدد المساهمات : 528
    تاريخ التسجيل : 19/11/2009
    الموقع : www.ar-youth.co.cc

    جديد هل الكسوف والخسوف غضبٌ أو تخويفٌ أو ظاهرةٌ طبيعية ؟

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين فبراير 15, 2010 1:59 am




    كثر الحديث عن هذا الموضوع في هذه الأيام , ونحن حديثو عهد بخسوف القمر في
    منتصف محرم , واستاء الناس كثيراً من تصريح لأحد الفلكيين السعوديين في
    إحدى الصحف المحلية عندما قال : ( وكان الناس في
    الماضي يعتقدون أشياء لا أساس لها من الصحة , فكانوا ينسبون هذه الظواهر
    لغضب الرب , إلا أن الأبحاث العلمية في العصر الحديث بينت أن الخسوف يحدث
    عندما تقع الشمس والأرض والقمر جميعها على امتدادٍ واحد ... )

    ولست أسيء الظن بهذا الفلكي , وإنما أراه اجتهد
    اجتهاداً مبنياً على الجهل بالجانب الشرعي لهذه القضية المحكومة بعدد من
    الأحاديث النبوية التي بلغت أعلى درجات الصحة والقبول فهي في صحيح البخاري
    و صحيح مسلم أو فيهما معاً , فلا يحسن بمسلم مهما بلغ من منزلة في علم
    الفلك أو غيره من العلوم أن يتجاهل مثل هذه الأحاديث حتى ولو لم يكن يعرف
    كنهها والمراد منها , ويكفيه أنها صادرة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم -
    , الذي زكاه ربه بقوله : {وَمَا
    يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ
    إِلا وَحْيٌ يُوحَى
    } [النجم: 4،3] , وأوجب علينا إتباعه والأخذ عنه
    بقوله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
    فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
    } [الحشر: 7] أليس
    الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو الذي فصّل لنا أحكام الصلاة والزكاة
    والصيام والحج وغيرها , من حيث العدد والوقت والكيفية والهيئة وغير ذلك ؟
    فكيف نستسلم لهذه الأحكام طائعين مختارين في حياتنا اليومية دون سؤال أو
    اعتراض أو افتيات , ثم بعد ذلك نفتات عليه ونتجاوز في أحكام الكسوف والخسوف
    , وقد نُقل عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه لما كسفت الشمس فزع فزعاً
    شديداً , قال أبو موسى – رضي الله عنه - : ( خسفت
    الشمس فقام النبي فزعاً يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيامٍ
    وركوعٍ وسجودٍ رأيته قط يفعله , وقال : هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون
    لموت أحدٍ ولا لحياته ولكن يخوف الله بها عباده , فإذا رأيتم شيئاً من ذلك
    فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره )
    رواه البخاري ومسلم .
    وقد بلغ من فزعه – وهو أعلم الناس بربه – أنه أخطأ فلبس رداء بعض نسائه ,
    كما قالت أسماء – رضي الله عنها - : ( فأخطأ بدرع
    حتى أُدرِك بردائه بعد ذلك )
    رواه مسلم . ومن مظاهر فزعه – عليه
    الصلاة والسلام - , إطالته الصلاة طولاً غير معهود , مع أنه يأمر بالتخفيف
    , قال جابر – رضي الله عنه - : ( فأطال القيام حتى
    جعلوا يخرّون )
    رواه مسلم . وأكدت ذلك أسماء – رضي الله عنها –
    بقولها : ( فأطال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
    , القيام جداً حتى تجلاني الغَشْي , فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب
    على رأسي أو على وجهي من الماء )
    رواه البخاري ومسلم . وفي الموضوع
    أحاديث صحيحة أخرى رواها البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها - , وعن
    أبي بكرة , وعن أسماء وفيها أمر بالصلاة والذكر والاستغفار والصدقة والتعوذ
    من عذاب القبر , بل والعتق , فقد روى البخاري عن أسماء – رضي الله عنها –
    قولها : ( لقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم –
    بالعتاقة في كسوف الشمس )
    .

    فأي كتاب عندنا بعد كتاب الله أصح من صحيح البخاري ومسلم , فهل نصدق قول
    الرسول وعمله الذي نقل إلينا من نسائه وصحابته نقلاً صحيحاً بحركاته
    وسكناته , أو نصدق صاحبنا الفلكي الذي علم شيئاً قليلاً فجزم به وتجاهل
    أموراً أخرى مهمة في الموضوع لا يحسن بمثله تجاهلها , خصوصاً وأنه قد وقع
    في مثل هذه الهفوة في منتصف صفر من العام الماضي , ورد عليه الشيخ العلامة
    د. صالح الفوزان وأبان له الصواب في ذلك , نسأل الله لنا وله الهداية وسائر
    المسلمين .

    وهذه القضية – لمن بحث عن الحق – ليست من القضايا
    المبهمة أو الشائكة أو المغمورة , خصوصاً في ظل ثورة المعلومات عبر شبكة
    الإنترنت العالمية
    , ومن نعم الله علينا أن علم علمائنا الراسخين
    الأحياء منهم والأموات قد قيّض الله له من يخدمه ويقربه لطالبيه عبر مواقع
    أنشئت لهذا الغرض , ولا يكلفك استفتاء علاّمتنا الكبير سماحة الشيخ ابن باز
    , أو سماحة تلميذه العلامة ابن عثيمين أو غيرهما إلا لمسة زر تدخلك إلى
    موقعه الجميل المرتّب المبوّب , وفي هذا الموضوع
    يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله - :
    ( وما
    يقع من خسوف أو كسوف في الشمس والقمر ونحو ذلك مما يبتلي الله به عباده هو
    تخويف منه سبحانه وتعالى وتحذير لعباده من التمادي في الطغيان , وحثٌ لهم
    على الرجوع والإنابة إليه ... )
    ويقول :
    ( وكونها آية تعرف بالحساب لا يمنع كونها تخويفاً من
    الله جلّ وعلا وأنها تحذير منه سبحانه فإنه هو الذي أجرى الآيات , وهو الذي
    رتب أسبابها ... )
    , وسئل الشيخ ابن عثيمين
    عن اثنين تنازعا في الكسوف : أهو غضب من الله , أم تخويف منه , فقال
    سماحته:
    ( المصيب من قال إنه تخويف ; لأن
    النبي – صلى الله عليه وسلم – صرح بذلك , فقال : يخوف الله بهما عباده ,
    لكن قد يكون هذا التخويف لعقوبة انعقدت أسبابها , ولهذا أمر الناس بالفزع
    إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والتكبير .. )
    .

    وقد أُشبع هذا الموضوع بحثاً في مواقع الإنترنت، وقد
    استفدت كثيرًا من [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ومن موضوع
    لـ (فتى الظل) موجودين في عدد من
    المواقع، وإني لأعجب كيف تخفى هذه القضية على حبيبنا الفلكي، وأهل الفلك
    أكثر الناس علماً بعظمة هذا الكون ومجراته وكواكبه ونجومه، والطبيعي أن
    يكونوا أكثر الناس رهبة وخوفاً من أي تغيير يحصل فيه صغيراً كان أم كبيراً،
    وكأن الله سبحانه وتعالى – وله المثل الأعلى – يقول لنا: هذه الكواكب تسير
    أمامكم ليلاً ونهاراً بإتقان بديع، وقد تخرج عن مسارها سويعات،
    فأيّ قوة في الأرض تستطيع أن تخرجها ؟ وأيّ
    قوة تستطيع أن تعيدها إذا خرجت ؟،
    ولعل هذا هو معنى قوله تعالى: {قُلْ
    أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى
    يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ
    أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ
    أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى
    يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ
    تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلا تُبْصِرُونَ *
    وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ
    وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
    } [القصص:
    73،71].


    بلى والله
    سنشكرك يا ربنا ونحمدك ونثني عليك بما أنت أهله, ولا
    يسعنا إلا ما وسع رسولك وحبيبك – صلى الله عليه وسلم – الذي شرفته بقولك: {وَأَنْزَلَ
    اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ
    تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
    } [النساء :
    113]، وصدق الله العظيم في قوله الكريم: {إِنَّمَا
    يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر
    : 28]
    .

    نسأل الله أن يزيدنا
    منه خشية ورهبة، وفيه رجاءً ورغبة.


    د. محمد
    بن خالد الفاضل
    أستاذ اللغة العربية
    جامعة الأمير سلطان
    dr.alfadhel@gmail.com




    كتب وبحوث


    صلاة الكسوف ، أحكام ومسائل للشيخ إحسان العتيبي


    معين الملهوف لمعرفة أحكام صلاة الكسوف لبدر بن سويلم
    المقاطي

    فتاوى في صلاة
    الكسوف والخسوف للشيخ عبدالله الجبرين

    صلاة الكسوف في
    ضوء الكتاب والسنة للدكتور. سعيد بن علي بن وهف القحطاني


    التفكر والاعتبار بآيات الكسوف والزلازل والإعصار للشيخ
    عبدالكريم بن صالح الحميد




    مقال :
    كسوف الشمس والقمر آيات وعظات للدكتور د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

    إذا اجتمعت صلاة الكسوف وصلاة
    الجمعة في وقت واحد

    مناظرة في
    الجهر والإسرار في صلاة الكسوف

    فتاوى مختارة عن الكسوف للشيخ محمدبن
    صالح بن عثيمين رحمه الله

    خسوف القمر هل
    هو آية ربانية؟





    الكسوف والخسوف .. يخوف الله تعالى
    بهما عباده
    23/1/1431هـ
    الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل




    الخطبة الأولى:
    الحمدُ لله العليم القدير؛ خلق الخلق بقدرته، وقَضى فيهم بعلمه وحكمته،
    فهداهم لما ينفعهم، وحذَّرهم مما يَضرُّهم، ويوم القيامة يجزيهم
    بأعمالهم، نحمده على السَّراء، ونلوذُ به في الضَّراء، فهو رافع العذاب،
    وكاشف البلاء؛ {وَمَا بِكُمْ مِنْ
    نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ
    تَجْأَرُونَ
    } [النحل:53]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
    شريك له، يُرسل الرياح مُبشِّرات، ويُخوِّف عباده بالآيات؛ ليدفعهم إلى
    الخيرات، ويَحجزهم عن الموبقات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ امتلأ
    قلبُه لله - تعالى - مَحبَّةً وتعظيمًا ورجاءً وخوفًا، فكان إذا
    تَغيَّرت أحوالُ الكون، خَرج مذعورًا، وهَرعَ إلى ربه - سبحانه -
    داعيًا ومستغفرًا ومصلِّيًا، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله
    وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

    أما بعد:
    فأوصِي نفسي وإياكم - عباد الله - بتقوى الله - تعالى - فإنها نِعْمَ
    العُدَّةُ لوقت الشدَّة، وخير الزاد ليوم المعاد؛ {وَمَا
    تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
    خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
    }
    [البقرة: 197].

    أيها الناس:
    من رحمة الله - تعالى - بخلقه، وهدايته إياهم لدينه: أنه - سبحانه
    وتعالى - نَصبَ الأدلة الدالة عليه، وأوضحَ الطريقَ الموصلة إليه؛ فلا
    يَضلُّ عن الهُدى بعد معرفته إلا من زاغَ قلبه، وأصابه داءُ الإعراض
    والعُلو والاستكبار؛ {فَلَمَّا زَاغُوا
    أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
    الْفَاسِقِينَ
    } [الصف: 5].

    إن آياتِ الله - تعالى - الشرعية، وآياته - سبحانه - الكونية في الآفاق
    والأنفسِ - أكثرُ من أن تُحصى، وهي دالة على عظمته وقُدرته، ووجوب
    عبادته وحده لا شَريك له؛ {سَنُرِيهِمْ
    آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
    لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
    } [فصلت: 53].

    والآية: هي العلامة الظاهرة، وكلُّ ما في الكون من عجائب المخلوقاتِ،
    فهو آيات دالة على خالقها - سبحانه وتعالى - {إِنَّ
    فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
    وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
    } [آل عمران:
    190].

    وتُطلَقُ الآية كذلك على المعجزة التي
    يُجريها الله - تعالى - لأنبيائه - عليهم السلام - حُجَّةً لهم،

    وتقوية لأتباعهم، ومُراغمةً لأعدائهم، وقد تكون آية رحمة؛ كنبع الماء
    من أصابع النبي، وتكثير الطعام ومباركته بدعائه - عليه الصلاة والسلام
    - ونحو ذلك، وقد تكون الآية عذابًا لقومٍ، وتخْويفًا لآخرين، ومنه قولُ
    الله - تعالى -: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا
    كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً
    }
    [الفرقان: 37]، وقال - سبحانه - في فرعون: {فَالْيَوْمَ
    نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً
    } [يونس:
    92].

    وقد تكون الآية على سبيل التخويف والإنذار دونَ العذاب، فلا يُعذَّبُ
    الناسُ بها، ولكنهم بها يُنذرون ويُخوَّفون؛ {وَمَا
    نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا
    } [الإسراء: 59].

    والشمس والقمر آيتان كونيَّتان ظاهرتان يَراهما البشرُ كلهم، وهما
    مُسخَّرتان لمنافعهم، وليس نفعهما لأحدٍ دون أحدٍ، ولا قدرة لأحد
    كائنًا من كان على التصرُّف فيهما؛ إذ ذاك من خصائص الربوبية، وقد
    جعلهما الله - تعالى - وسيلتين لتخويف العباد وتذكيرهم إذا تمادوا في
    غيِّهم، وانحرفوا عن دينهم.

    أما كونهما آيتين، فيدلُّ عليه قول الله - تعالى -: {وَمِنْ
    آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
    } [فصلت:
    37]، وأما كونهما وسيلتي تخويف وإنذار، فيدلُّ عليه قول النبيِّ: ((إِن
    الشمسَ والقمر آيتان من آياتِ الله لا يَنكَسِفان لموت أحدٍ، ولكنَّ
    الله - تعالى - يُخَوِّفُ بهما عباده))؛ رواه الشيخان.

    والتخويف بالآيات يكون بسببِ تَساهُلِ
    العباد في الطاعات،
    وانتهاك الحُرمات، فيكون التخويف لمصلحتهم؛
    مِن أجل أن يَرجعوا إلى ربهم، ويُراجعوا دينهم، ويَنتهوا عن غيِّهم،
    وهذه صفة أهل الإيمان؛ فإنهم إذا ذُكِّروا تذكروا، وإذا وعظوا اتعظوا،
    وإذا خُوِّفوا خافوا، فكيف إذا كان التخويف والتذكير بالآيات الكونية
    ممن يَقدر على البشر، ولا يقدرون عليه - سبحانه وتعالى؟!

    إنه لا يَستهين بهذا التخويف والتذكير إلا أهلُ الغفلة والإعراض
    والاستكبار الذين تتنزل العقوبات بسببهم، وقد عُذِّبت الأمم السالفة
    بأمثالهم، إنهم الملأ من كلِّ قومٍ كذَّبوا فعُذِّبوا، وعُذِّب الناس
    بسببهم؛ لخضوعهم لقولهم، واتباعهم في غيهم، ونجَّى الله - تعالى -
    الرسل ومن آمن معهم.

    إن من شرِّ أنواع الصدود عن الله - تعالى
    - التكذيب بآياته،
    وقد دلَّت الآيات الشرعية من الكتاب والسُّنة
    على أن الآيات الكونية وسيلة لتخويف العباد، ومن ذلك حدوث الكسوف
    والخسوف، ومن تكذيب الله - تعالى - وتكذيب رسوله الزعم بأن الكسوف
    والخسوف لا يُوجب الخوف منه، ولا التخويف به؛ بحُجة أنه ظاهرة كونية
    اعتيادية، كما يَصيح به جَهلة الإعلام والصحافة، وحالُ كثير منهم كحال
    المكذبين السابقين الذين أوبقوا أنفسهم، وعُذِّبت الأمم بسببهم، وقد
    قال الله - تعالى -: {وَمَنْ أَظْلَمُ
    مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ
    إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
    } [الأنعام: 21].

    إن حالهم وهم يكذِّبون خبرَ الله - تعالى - وخبر نبيه في الكسوف
    والخسوف، ويُعرضون عن آيات التخويف - كحال مَن أخبر الله - تعالى -
    عنهم بقوله: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ
    آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ
    }
    [الأنعام: 4]، وفي آية أخرى: {وَإِنْ
    يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا
    } [القمر: 2].

    وأعظمُ من ذلك صدُّهم عمن يريد تخويف الناس بهذه الآيات، وسُخريتهم بهم
    وبما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسُّنة؛ {بَلْ
    عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
    * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا
    يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا
    آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
    } [الصافات: 12 - 14].

    وتالله لكأن هذه الآيات تَنزَّلت فيهم حين نفوا آيات التخويف وسَخِروا
    بها، آيات كونية عظيمة يُخوِّف الله - تعالى - بها عباده فيعرضون عنها،
    ويدعون الناس للإعراض عنها؛ {أَفَأَمِنُوا
    مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
    الْخَاسِرُونَ}
    [الأعراف:
    99].

    وما ردَّهم عن فَهم آيات الله - تعالى - الكونية والشرعية - مع ادعائهم
    الثقافة والمعرفة - إلا كبرٌ امتلأتْ به صدورُهم، حتى غشا على أبصارهم
    وأسماعهم، وخُتم به على قلوبهم، فكانوا كمن قال الله تعالى فيهم: {سَأَصْرِفُ
    عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
    الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ
    يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا
    سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا
    بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ
    } [الأعراف: 146]، يا
    لعظمة هذه الآية وهي تصفُهم: صُرفوا عن فَهم آيات الله - تعالى -
    الكونية والشرعية؛ بسبب كِبرهم على الله - تعالى - وعلى دينه وعلى
    أوليائه، فهاموا في سُبُل الغيِّ، وحادوا عن سبيل الرشاد، فكانوا أهل
    غفلة، ولو زعموا أنهم أهل ثقافة؛ {ذَلِكَ
    بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ
    }
    [الأعراف: 146]!

    إن مَن زَعمَ أن ظاهرتي الكسوف والخسوف لا تستوجبان الخوف منهما، ولا
    التخويف بهما؛ فهو مُفترٍ على الله - تعالى - الكذب، مُكذِّب بآياته
    الشرعية، ويُخشى أن يكونَ هؤلاء المارقون المكذبون سبب عذاب على البلاد
    والعباد، كما كان أمثالهم من قَبلُ سببَ عذاب الأمم السالفة.

    إنَّ رسولَنا محمدًا هو أعلمُ الخَلق
    بالله - تعالى - وبآياته الشرعية والكونية،
    ولَم يُؤت أحدٌ من
    البشر علمًا كعلمه؛ لأن الله - تعالى - هو الذي كلَّمه وعلَّمه؛ {وَأَنْزَلَ
    اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ
    تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
    } [النساء:
    113]، ولما كسفت الشمس فَزعَ فزعًا شديدًا دلَّت عليه الأحاديثُ
    المنقولة إلينا؛ قال أبو مُوسَى - رضي الله عنه -: ((خسفت الشمس فقام
    النبي فَزِعًا يَخْشَى أن تكونَ الساعة، فأتى المسجد فصلَّى بأطول قيامٍ
    ورُكوعٍ وسُجودٍ رأيته قطُّ يفعله، وقال: هذه الآيات التي يُرسلُ الله
    لا تكونُ لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن يُخوِّفُ الله به عباده، فإذا
    رأيتم شيئًا من ذلك، فافزعوا إلى ذِكره ودعائه واستغفاره))؛ رواه
    الشيخان، ففزع وأمر الناس أن يَفزعوا إلى الصلاة والذكر والدعاء
    والاستغفار، وبلغَ من فزعه أنه أخطأ، فلبِس رداءَ بعض نسائه حتى لحقوه
    وأدركوه بردائه، قالت أسماء - رضي الله عنها -: ((فأخطأ بدرعٍ حتى
    أُدركَ بردائه بعد ذلك))؛ رواه مسلم.

    ويدلُّ على فزعه إطالته للصلاة طولاً لم
    يَعهدوه وهو الذي يأمر بالتخفيف؛
    قال جابر - رضي الله عنه -: ((فأطالَ
    القيامَ حتى جعلوا يَخِرُّونَ))؛ رواه مسلم، وقالت أسماء - رضي الله
    عنها -: ((فأطال رسول الله القيام جِدًّا حتى تَجَلَّانِي الغشي، فأخذت
    قِربةً من ماءٍ إلى جَنبِي فجعلتُ أصبُّ على رأسي أو على وجهِي من
    الماء))؛ رواه الشيخان.

    أيأتي بعدَ هذا كله مُكذِّبون دجَّالون مُتهوِّكون يُفلسفون القضايا
    الشرعية؛ ليُفرِّغوها من معانيها الإيمانية، ويَكذبون على الناس في ذلك،
    وينهونهم عن الخوف أو التخويف بالآيات الربانية، ويُصدقهم كثيرٌ من
    الناس، فينصرفون عن الفزع والخوف من الله - تعالى - فتقع آيات التخويف
    وهم في مجالس اللهو والمعصية يَلعبون ويضحكون، نعوذ بالله - تعالى - من
    الغفلة، ونسأله الهداية لنا وللمسلمين أجمعين.

    أقول ما تسمعون وأستغفر الله.

    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا
    ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا
    عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن
    اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

    أما بعد:
    فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واحذروا نقمةَ الجبار - جل وعلا - فإن
    أخذه أليم شديد، وعذابه إذا وقع فلا دافع له، ولا يَقع عذابه - سبحانه
    - إلا بعد تتابع نذره؛ {فَلَوْلَا إِذْ
    جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ
    لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
    * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا
    بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا
    فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
    مُبْلِسُونَ
    } [الأنعام: 43 - 44].

    أيها المسلمون:
    لقد انتشرَ في زمننا هذا الاستهانةُ بالذنوب والمعاصي، والتقليل من
    شأنها وآثارها، ودعوة الناس إليها، وتزيينها لهم بالباطل، وتسويغها
    بالحِيَل الشيطانية، وإباحة ما حرَّم الله - تعالى - باتباع المتشابه
    من النصوص، وتأويل المحكَم وتزْويره، على أيدي الليبراليين المفسدين،
    ومَن ركبوهم وطبَّلوا لهم من أحبار السوء، ومشايخ الضلالة، وطلاب
    الدنيا، ممن رقَّ دينهم، وعَظُمَتْ مصيبة الأمة بهم، فحرَّفوا الكَلِم
    عن مواضعه، ولبَّسوا على الناس دينهم، وشرَّعوا لأهل الانحراف والفساد
    من الدين ما لم يأذن به الله - تعالى - مع ضَعف أهل الحقِّ والهُدى في
    الدفاع عنه، وتحذير الناس من الباطل وأهله.

    وكذلك فشا الظلم والبَغي بين العباد: ظُلم الناس لأنفسهم بالمعاصي،
    وظلم بعضهم لبعض، وعدم أدائهم ما عليهم من الواجبات، واستحلالهم للحقوق،
    كلُّ ذلك من أسباب العذاب، ولولا رحمة الله - تعالى - بنا وحلمه علينا،
    وإمهاله لنا، لعذَّبنا بما كسبت أيدينا.

    لقد كان الناس من قَبل يراجعون أنفسهم
    في الملمَّات،
    ويلجؤون إلى الله - تعالى - في المصائب
    والمدلهمات، ولكن في السنوات الأخيرة بلغتْ قسوة القلوب مداها، وأجلب
    شياطين الإعلام على الناس بخيلهم ورجْلِهم، فأفسدوا أخلاقهم، ومرَّدوهم
    على شريعة الله - تعالى - طعنًا فيها، واستهانة بها، ومُحاربة
    لحَمَلَتِها ودُعاتها، حتى قست القلوب عن المواعظ، وتمرَّدت على
    الشرائع، وتتابعت الآيات والنُّذر على العباد ولا تحرك فيهم ساكنًا.

    أوبئةٌ ما عرفها الناس من قبل، وهِزَّات اقتصادية تُنذر بفتنٍ ومجاعات،
    وحروب تَتسع رقعتها ويزيد ضحاياها في أقطارٍ شتَّى، وتسلُّط من أعداء
    الداخل والخارج، والناس في غفلة عما يُحيط بهم،
    فمتى يدركون أنهم في خطر؟! ومتى
    يُوقنون أنه لا خلاص لهم إلا بالتعلُّق بربهم، والتمسك بدينهم، والتوبة
    من ذنوبهم؟! وإلا حقَّ عليهم العذاب، ونزلت بهم المثُلات، إذا لم
    يَتعظوا بالنُّذر والآيات، وقد قال الله - تعالى - في قومٍ: {قُلِ
    انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي
    الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ
    }
    [يونس:101]، جاء عن التابعي الجليل طاوس بن كيسان - رحمه الله تعالى -:
    أنه نظَرَ إلى الشمس وقد كَسفت، فبكى حتى كادَ يموت، وقال: هي أخوف لله
    منَّا.

    وصلَّوا وسلِّموا..





    الكسوف والخسوف (1)
    20/8/1428
    إبراهيم
    بن محمد الحقيل



    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
    أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادِيَ له، وأشهد
    أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسـوله: {يَا
    أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
    تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا
    النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
    وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً
    وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ
    كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
    اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
    وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
    فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].
    أما بعد: فإنَّ أحسن الحديث كلام الله – تعالى -، وخير الهدي هدي محمد -
    صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور مُحْدثاتها، وكُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ،
    وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالة في النار.

    أيُّها النَّاسُ: خلق الله - تعالى - النيِّريْنِ: الشَّمْسَ والقَمَرَ،
    وسخَّرَهُمَا لِلعِبادِ، وجعل فيهما مِنَ المَنافِعِ والمصالح لأهل الأرض،
    ومَنْ عليها ما لا يقدر قدره إلا الله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ
    الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا
    عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالحَقِّ
    يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس: 5].
    آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وبُرْهانانِ كبيرانِ على قُدْرَةِ الخالِق - سبحانه
    -، وعلى عظيم إفضاله وإنعامه على عباده: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ
    وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:
    33]، {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا
    سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61].
    إنَّهُما بِأَمْرِ الله - تَعالَى - وتقديرِه كانا سَبَبَ اللَّيْلِ
    والنَّهار، والنور والظلام، وانتظام الحياة، وعمارة الأرض، وفي اختلالهما
    اختلال الحياة، وفساد النظام، وذلك يكون حين يأذن الله - تعالى - بانتهاء
    الحياة الدنيا وبدء الحياة الآخرة، حينها تكور الشمس، ويخسف القمر: {إِذَا
    الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التَّكوير: 1]، وقال - سبحانه -: {وَخَسَفَ القَمَرُ
    * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ} [القيامة: 8 – 9].

    وفي الحياة الدنيا، يحصل كسوف الشمس وخسوف القمر؛ تخويفًا للعباد وتذكيرًا،
    حتى يؤبوا إلى الله - تعالى - ويتوبوا، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -:
    ((إن الشمس والقمر لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحدٍ مِنَ النَّاس؛
    ولكنَّهُما آيَتَانِ من آيات الله فإذا رأيتُمُوهُما فَقُوموا فصلُّوا))؛
    متفق عليه[1].
    فحصول الكسوف والخسوف فيه تخويف للعباد، وتذكير لهم في حال غفلتهم، والأمم
    السالفة عُذِّبَتْ بأنواع من العذاب الذي أرسل عليهم من السماء؛ كالغرق
    والريح والصيحة ونحوها، والعالم يسير بانتظام، فالشمس لها وقت شروق ووقت
    غروب لا تتخلف عنه، ويصدر منها إشعاع ينفع الأرض ومن عليها، والقمر له
    منازل مقدرة في بداية الشهر وانتصافه ونهايته، لا يتخلف عن شيء منها، وله
    نور جميل عند اكتماله في منتصف الشهر؛ فإذا ما ذهب إشعاع الشمس، ونور القمر
    أو بعضهما؛ كان هذا علامة على اختلال انتظامهما المعتاد، فيخاف العباد أن
    يكون ذلك بداية عذاب، وهذا من تخويف الله - تعالى - للعباد بهذين النيرين.


    وما في الشمس والقمر من المنافع العظيمة يجعل أهل الأرض محتاجين إليهما،
    فلما يختل نظامهما؛ فتكسف الشمس أو يخسف القمر يخاف العباد من ذهاب ما
    ينتفعون به من نورهما.
    ومن التخويف بالكسوف والخسوف أيضًا: أن اختلالَ النَّيِّرَيْنِ بِالكُسُوفِ
    والخُسُوفِ مُذَكِّر بيوم القيامة، وما يجري فيه من اختلالهما، وذهاب
    نورهما؛ إيذانًا بانتهاء العالم الدنيوي؛ فيخاف العباد عند حدوث ذلك من
    نهاية الدنيا، أو يتذكرون يوم القيامة فيُحْدِثُ الكسوفُ والخسوفُ خوفًا
    منه.
    قال الخطَّابي - رحمه الله تعالى -: "كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف
    يوجب حدوث تغيُّرٍ في الأرض من موت أو ضرر، فأَعْلَمَ النَّبيُّ - صلى الله
    عليه وسلم - أنه اعتقادٌ باطل، وأن الشمس والقمر خَلْقان مُسَخَّرانِ لله –
    تعالى -، ليس لهما سلطانٌ في غيرهما، ولا قدرةٌ على الدفع عن أنفسهما"[2] ·

    إذًا فالنيران ينكسفان تخويفًا للعباد، والتخويف إنما يكون بوجود سبب الخوف،
    فعُلم أن كسوفهما قد يكون سببًا لأمر مخوف، والله - تعالى - يخوف عبادَهُ
    بآياته: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]
    فعلم أن هذه الآيات السماوية قد تكون سبب عذاب؛ ولهذا شرع للنبي - صلى الله
    عليه وسلم - عند وجود سبب الخوف ما يدفعه من الأعمال الصالحة[3].

    وليس ذلك يمنع معرِفَةَ وَقْتِ حُدوثِ الكُسوفِ من قِبَلِ أَهْلِ الهَيْئَةِ
    والفَلَكِ بما يعملونه من حساباتٍ، يُعرف بِها وقت حدوثه ومدته، ووقت
    انجلائه، وهذا ما قرَّرَهُ شَيْخُ الإسلامِ ابْنُ تَيْمِيَّة - رحمه الله
    تعالى- بقوله: "فإذا كان الكسوف له أجلٌ مُسَمًّى لم يناف ذلك أن يكون عند
    أجله يجعله الله - تعالى - سببًا لما يقتضيه من عذابٍ وغيره لمن يعذب الله
    في ذلك الوقت، أو لغيره ممن يُنْزِلُ الله به ذلك. كما أنَّ تعذيبَ الله -تعالى
    - لِمَنْ عذَّبَهُ بِالريح الشديدة الباردة؛ كَقَوْمِ عادٍ كانتْ في
    الوَقْتِ المُناسِبِ، وهو آخر الشتاء"[4].

    وقال ابن دقيق العيد: "ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي
    قوله: {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [ الزمر: 16]وليس بشيء؛ لأن لله
    - تعالى - أفعالاً على حسب العادة، وأفعالاً خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة
    على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها من بعض. وإذا
    ثبت ذلك فالعلماء بالله - تعالى - لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق
    العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف؛ لقوة ذلك
    الاعتقاد؛ وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء
    الله خرقها، وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب حقًّا في نفس الأمر، لا ينافي
    كون ذلك مخوفًا لعباد الله - تعالى -"[5]·

    وعليه فإن معرفة وقت الكسوف والخسوف ليس من الغيب؛ بل يُدرك بالحساب، "وكما
    أن العادة التي أجراها الله – تعالى -: "أن الهِلال لا يستهل إلا ليلة
    ثلاثين من الشهر أو ليلة إحدى وثلاثين، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا
    تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، وللشمس والقمر
    ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف، كما أنَّ من علم كم مضى من
    الشهر يعلم أنَّ الهلال لا يطلع في الليلة الفُلانية أو التي قبلها، لكن
    العلم بالعادة في الهِلال علم عامٌّ يشترك فيه جميع الناس، وأما العلم
    بالعادة في الكسوف والخسوف، فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر
    الحاسب بذلك من علم الغيب.

    وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه فلا يجوز أن يصدق إلا أن يُعلم صدقه، ولا
    يكذب إلا أن يعلم كذبه... والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنًا لكن
    المخبر قد يكون عالمًا بذلك وقد لا يكون، وقد يكون ثقة في خبره وقد لا يكون...
    ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا
    يترتب على خبرهم علمٌ شرعي؛ فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تُصَلَّى إلا إذا
    شاهدنا ذلك، وإذا جوَّز الإنسانُ صِدْقَ المخبر بذلك، أو غلب على ظنه فنوى
    أن يُصَلِّيَ الكسوف والخُسوف عند ذلك، واستعدَّ ذلك الوقتَ لِرُؤْيَةِ ذلك
    كان هذا حثًّا من بابِ المُسَارَعَةِ إلى طاعة الله تعالى وعبادَتِه؛ فإنَّ
    الصلاةَ عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين، وقد تواترت بها السُّنَنُ عنِ
    النبي - صلى الله عليه وسلم –" ا. هـ مُلَخَّصًا من كلام شيخ الإسلام ابن
    تيمية - رحمه الله تعالى -[6].

    ومما يلاحظ ـ أيها الإخوة ـ أن العلم بوقت حدوث الكسوف والخسوف هوَّن وقعه
    على النفوس، حتى صار أكثر الناس يَشْتَغِلُ بالفرجة على الكسوف، ووقت
    بدايته وانجلائه عن الخوف من الله - تعالى -، والفزع إلى الصلاة والذكر،
    والدعاء والاستغفار، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما كسفت الشمس خاف،
    وفزع إلى الله تعالى بالصلاة.

    قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "انخسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى
    الله عليه وسلم -، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام قيامًا
    طويلاً نحوًا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقام
    قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع
    الأول، ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا
    طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام
    الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد
    تجلّت الشمس فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات
    الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله))، قالوا:
    يا رسول الله: "رأيناك تناولت شيئًا من مقامك، ثم رأيناك كعكعت"، قال - صلى
    الله عليه وسلم -: ((إني رأيت الجنة فتناولت عنقودًا ولو أصبته لأكلتم منه
    ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع...))؛ متفق
    عليه[7].

    وفي حديث آخر أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول:
    ((رب لم تعدني هذا وأنا أستغفرك، لم تعدني هذا وأنا فيهم))[8].
    ألا فاتقوا الله ربكم، واعتبروا بالآيات والنذر، واحذروا الذنوب والغفلة،
    وإذا رأيتم آيات الله - تعالى - في الشمس والقمر بالكسوف والخسوف، فاهرعوا
    إلى الصلاة، وأكثروا الدعاء والاستغفار.
    أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ
    بِالآَيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ
    النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ
    تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده
    وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
    وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه،
    ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين -.
    أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - بفعل ما أمر، واجتنبوا الفواحش ما بطن
    منها وما ظهر، واعلموا أن الله مع المتقين.
    أيها الناس: ظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر وإن كانت ظاهرة فَلَكِيَّة تعرف
    بالحساب في وقت الابتداء والانجلاء، إلا أنه يجب أن لا يكون العلم بها
    سببًا لذهاب هيبتها من النفوس؛ بل الواجِبُ على المسلم أن يخاف من كل
    تغيُّر في الظواهر الفَلَكِيَّة، خشية أن يكون عذابًا؛ كما كان النبي - صلى
    الله عليه وسلم – يفعل.

    فقد ذكرت عائشة - رضي الله عنها - أنه - عليه الصلاة والسلام -: "كان إذا
    رأى غيمًا أو ريحًا عرف في وجهه، قالت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم
    فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَهُ عُرِفَ في وَجْهِكَ
    الكَرَاهِيَةُ، فقال: يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ عُذب قوم
    بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:
    24]؛ رواه الشيخان[9].
    وقد جاء في أحاديثَ كثيرةٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالفزع
    إلى الصلاة، وذكر الله - تعالى -، ودعائه واستغفاره، وذلك عند رؤية الكسوف
    أو الخسوف.

    كما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    قال: ((فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة))؛ متفق عليه[10].
    وفي رواية: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا
    لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة
    محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة
    محمد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا))[11].
    قال الطيبي: "لما أُمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة
    ناسب ردعهم عن المعاصي، التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص منها الزنى لأنه
    أعظمها في ذلك"[12].

    وإذا انتهى المصلون من صلاة الكسوف ولما ينجل بعد فعليهم بذكر الله - تعالى
    - حتَّى ينجليَ؛ لما رَوَتْ عائشة - رضي الله عنها - عَنِ النَّبيِّ - صلى
    الله عليه وسلم - أنه قال: ((فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا))؛
    رواه مسلم[13].

    ولم يأمر - عليه الصلاة والسلام - بالانشغال برصد هذه الظاهرة، ومشاهدتها،
    ومتابعة بدء الكسوف وانجلائه عن الصلاة والذكر والاستغفار؛ كما هو واقع
    كثير من الناس الذين حولوا آيات التخويف، وأمارات العذاب إلى ما يشبه مواسم
    الفرح والعيد والفُرْجَة.

    فالواجب على المسلمين أن يهرعوا عند الكسوف إلى الصلاة، ويكثروا من
    الاستغفار والصدقة والذكر حتى ينجلي، ولا يكون شأنهم شأن ضُلال أهل الأرض
    من الكفار ومن تبعهم في طريقتهم؛ إذ يشتغلون عن ذلك بما لا يدفع عذابًا،
    ولا يجلب رحمة، نسأل الله الهداية والعافية.
    ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله؛ كما أمركم ربكم بذلك.

    -----------------------------------------
    [1] أخرجه البخاري في الكسوف؛ باب الصلاة في كسوف الشمس (1041)، ومسلم في
    الكسوف باب ذكر النداء بصلاة الكسوف (911) من حديث أبي مسعود البدري - رضي
    الله عنه -.
    [2] إعلام الحديث (1/60)، وهو كلام طويل واختصره الحافظ في "الفتح"
    (2/613).
    [3] "فتاوى شيخ الإسلام" ابن تيمية (25/191).
    [4] "فتاوى شيخ الإسلام" (35/176).
    [5] "فتح الباري" (2/625)، وانظر: "فتاوى شيخ الإسلام" (24/259).
    [6] "فتاوى شيخ الإسلام" (24/255 ـ 258).
    [7] أخرجه البخاري في الكسوف باب صلاة الكسوف جماعة (1052)، ومسلم في صلاة
    الكسوف باب ما عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - (907 ـ 908 ـ 909)، وأبو
    داود في الصلاة باب من قال صلاة الكسوف أربع (1181 ـ 1183)، والترمذي في
    الصلاة باب ما جاء في صلاة الكسوف (560)، والنسائي في الكسوف باب القراءة
    في صلاة الكسوف (3/146).
    [8] أخرجه النسائي في الكسوف باب القول في السجود في صلا الكسوف (3/149)،
    وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1401 ـ 1407)، من حديث عبدالله بن
    عمرو رضي الله عنهما.
    [9] أخرجه البخاري في التفسير، سورة الأحقاف، باب قوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ
    عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الأحقاف: 24]، ومسلم في الكسوف باب
    التعوذ عند رؤية الريح والغيم، والفرح بالمطر (899).
    [10] أخرجه البخاري في الكسوف باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته
    (1058)، ومسلم في الكسوف باب صلاة الكسوف (901).
    [11] هذه الرواية للبخاري في الكسوف باب الصدقة في الكسوف (1044).
    [12] "فتح الباري" لابن حجر (2/617).
    [13] أخرجه مسلم في الكسوف باب صلاة الكسوف (901).



    آيتان من آيات الله



    أيها المسلمون: سخَّرَ اللهُ الشمس والقمر في حركة دائبة لا تختلف, وفي
    مساراتٍ وأفلاكٍ لا تتخلف, ليعلم الناس عدد السنين والحساب، ولكي تنضج
    الثمار حسب الفصول والأزمان، فهو سبحانه سخَّرَهُما يسيران بنظام بديع
    محكم, قال الله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ
    النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ
    لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ
    مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ
    يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ
    النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40,37], وقال تعالى:
    {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
    حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام:96]، قال ابن
    كثير: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً}: أي يجريان بحساب مقنن مقدر،
    لا يتغير ولا يضطرب، بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء، فيترتب
    على ذلك اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً ", انتهى. ففي سيرهما مصالح
    ومنافع كثيرة, {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ
    خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:88].

    والكسوف والخسوف حالة نقصٍ تعتري النيِّرين: الشّمس والقمر, بذهاب أو نقصان
    ضوئهما, والمعنى: احتجاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه بسبب معتاد يخوف الله
    به عباده, فذهاب ضوئهما يكون كلاً أو بعضاً, والكسوف يطلق على الخسوف وكذا
    العكس لصحة الأحاديث والآثار بذلك, والحاصل أن للكسوف أسباباً طبيعية يقر
    بها المؤمنون والكافرون، وكذا لها أسبابٌ شرعية يقر بها المؤمنون وينكرها
    الكافرون, فاجتماع النيرين في آخر الشهر, أو حيلولة الأرض بين الشمس والقمر
    في وسط الشهر سبب حسي لخسوف القمر, فالقمر جرم مُعْتِمٌ يستمد نوره من
    الشمس، فإذا حالت الأرض بينهما وقع الخسوف, ويحدث الكسوف بسبب مرور القمر
    بين الأرض والشمس، فعندها يحجب القمر قرص الشمس فنرى شيئا أسودا أمام قرص
    الشمس ألا وهو القمر، والكسوف الحلقي يبدأ من دخول كامل قرص القمر داخل قرص
    الشمس وينتهي فور بداية خروج حافة القمر من قرص الشمس.

    عباد الله: المسلم ينظر إلى الظواهر الفلكية نظرة علمية وأخرى شرعية, فقد
    فَضَّل الله المسلم على الكافر: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ
    سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ
    هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
    إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] فلله تبارك وتعالى في
    تقديره الكسوف حكمتان, حكمة قدَرِيَّةٌ يحصل الكسوف بوجودها وهذه معروفةٌ
    عند علماء الفلك وأهل الحساب, وحكمٌ شرعية منهاتخويف العباد, وقد نص النبي
    صلى الله عليه وسلم عليها بقوله: (بخوف الله بهما عباده), فتتنبه القلوب
    إلى عظمة سلطان الله تعالى ونفوذ قدرته، فالذي قدَّر السبب الحسي حتى حصل
    الكسوف أو الخسوف هو الله تعالى لأجل أن يخاف الناس ويحذروا, فحِكَمَ
    الخسوف والكسوف الشرعيَّة عظيمةٌ يظهر منها بعد كل حين شيءٌ ليزداد الذين
    آمنوا إيمانا, وقد ذكر أهل العلم نبذة من تلك الحكم, قال ابن حجر رحمه
    الله: "من حكمة وقوع الكسوف تبيين أنموذج ما سيقع في القيامة", ونقل
    المناوي عن الطبري قوله: "وللكسوف فوائد منها: ظهور التصرف في هذين الخلقين
    العظيمين, وإزعاج القلوب الغافلة وإيقاظها, وليرى الناس أنموذج القيامة
    وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان, فيكون تنبيها على خوف المكر ورجاء العفو,
    والإعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له فكيف بمن له ذنب". وقال الزمخشري:
    "قالوا حكمة الكسوف أنه تعالى ما خلق خلقا إلا قيض له تغييره أو تبديله,
    ليستدل بذلك على أن له مسيِّرا ومبدلا, ولأن النيرين يعبدان من دون الله
    تعالى فقضى عليهما بسلب النور عنهما, لأنهما لو كانا معبودين لدفعا عن
    نفسهما ما يغيرهما ويدخل عليهما".

    وفي عصر التقدم العلمي الدنيوي كثير من الناس لا يرفعون رأساً لهذه الآيات
    التي يخوف الله بها عباده, ويسعى ناسٌ ممن لا خلاق لهم إلى إبعاد المسلمين
    عن دينهم لتقسوا قلوبهم ولا يبقى لديهم اهتمام بهذه الآية العظيمة، فصار
    البعض يغمره الفرح ويستبشر بوقوع هاتين الآيتين، ومنهم من يذهب إلى قمم
    الجبال وأعالي التلال ليشاهدوا ذلك الحدث العظيم بالمناظير, وبعض الجهات
    تفتح أبوابها للمتفرجين لرؤية هذه الظاهرة من خلال المقربات والمك

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 6:01 am